قوات الأمن تفرق المتظاهرين بالغازات المسيلة للدموع
تيارت تودع ضحاياها وتعيش على وقع الاعتصامات
عاشت مدينة تيارت، نهار أمس، أجواء مشحونة، بخروج شبان مختلف الأحياء في مظاهرات سلمية انطلاقا من المقبرة الجديدة الواقعة شرقي المدينة، مباشرة بعد تشييع جنازة أحد أبناء المدينة الذي غرق مع 15 من المغامرين بالهجرة السرية في شاطئ أرزيو، نهاية الأسبوع الماضي. وبقيت قرية بيبان صالح محاصرة من طرف الدرك الوطني إلى ساعة متأخرة من مساء أمس.
تدخلت قوات مكافحة الشغب بمدينة تيارت، ظهر أمس، لتفريق الشباب المحتجين الذين تجمعوا وسط المدينة في اعتصام سلمي قبالة إقامة والي الولاية. وكان هؤلاء الشبان توجهوا مباشرة إلى حي ريجينة قادمين من المقبرة الجديدة في مسيرة صامتة. وجلسوا في الطريق لتحاصرهم مصالح الأمن. لكن دون أن تحدث اشتباكات أو مشادات. في حين خرج شبان آخرون إلى شوارع مختلف أحياء المدينة، منهم من قطع الطريق وآخرون أضرموا النيران في العجلات المطاطية بحي المحطة. لتنطلق مصالح الأمن لتفريقهم وفتح الطرقات لحركة المرور.
واستعملت مصالح الأمن الغازات المسيلة للدموع لتفريق الشباب. وعلم أنه تم اعتقال حوالي 15 شابا قبل أن يتم إخلاء سبيلهم بعد سماعهم. وقد أغلقت المحلات التجارية أبوابها. كما حدث اضطراب محسوس في حركة المرور. في حين لم يتوجه تلاميذ العديد من المؤسسات التعليمية للدراسة بعد الزوال.
وعاد الهدوء إلى مدينة تيارت قبل الساعة الثالثة زوالا، بعد صبيحة مضطربة استنشق فيها السكان روائح الغازات المسيلة للدموع، إذ لم نسجل أي تجمع للشباب في مختلف أحياء المدينة باستثناء تواجد أفراد قوات مكافحة الشغب أمام المؤسسات العمومية الحساسة.
الدرك الوطني يحاصر قرية بيبان مصباح
أما بقرية بيبان مصباح التي فقدت سبعة من أبنائها في الرحلة المشؤومة نحو الموت من شاطئ مرسى الحجاج بولاية وهران، فقد خرج المحتجون، صباح أمس، إلى الشارع وقاموا بقطع الطريق الوطني رقم 23 الرابط بين بلديتي تيارت والسوفر. قبل أن تتدخل فرقة من الدرك الوطني لتعيد فتح الطريق. وذكر سكان القرية لـ''الخبر'' أن أكثـر من 200 دركي تم إرسالهم إلى هذه القرية مصحوبين بالكلاب، قاموا بمحاصرتها ومطاردة الشبان الذين أغلقوا الطريق، واعتقلوا أكثـر من عشرة منهم. وتأزم الوضع في القرية عندما صعد الشاب غناي مراد، شقيق المرحوم غناي صادق المتوفى في الرحلة المشؤومة، عمودا كهربائيا للضغط العالي (30 ألف فولت) هروبا من مطاردة أعوان الدرك. وهدد بالانتحار، ليقوم أعوان مؤسسة سونلغاز بقطع التيار الكهربائي العابر للعمود، لينقطع التيار عن القرية بأكملها.
ولقد ثار غضب سكان هذه القرية عندما دفنوا موتاهم السبعة دون حضور أي مسؤول محلي. ''وبدل أن يتنقلوا إلينا لمواساتنا والاستماع إلى انشغالاتنا، أرسلوا لنا 200 دركي لقمعنا'' كما يقول السكان.
وتزامنت بداية الحركة الاحتجاجية من قبل الشباب في تيارت مع تشييع جنازة الضحية عبدلي خالد، 22 سنة، بعد صلاة المغرب، من أول أمس الثلاثاء، عندما وصلت جثامين الضحايا من وهران. هذه الجنازة تمت في الظلام لغياب الإنارة بالمقبرة. وتوجه المشيعون في جنح الظلام إلى حي ريجينة وتجمعوا أمام إقامة الوالي ودار الضيافة بقلب المدينة. وشلوا حركة المرور من وإلى ''الريجينة''، إلى غاية العاشرة والنصف ليلا دون أن تسجل انزلاقات، حيث تدخل بعض العقلاء وعناصر من الأمن بالزي المدني لمحاورة الشباب للعدول عن قرار الاعتصام. وبعد ساعتين ونصف تقريبا وبالضبط في حدود العاشرة وأربعين دقيقة ليلا، عاد الشباب إلى مقرات إقاماتهم، معظمهم من حي المنظر الجميل حيث كان الضحية عبدلي يجمع قوت العيش بإعادة بيع الخبز اليابس.
تشييع جنازة الضحايا
وتجدد اعتصام الشباب صبيحة أمس بعد تشييع جنازة الضحية فليل محمد في حدود العاشرة صباحا، حين تجمع المئات من الشباب فوق نفق الريجينة بوسط المدينة، مطالبين بلقاء المسؤولين المحليين والصحافة، فاستجيب لمطلبهم بسرعة البرق، فحضر عدد من ممثلي وسائل الإعلام وسط هتافات المحتجين مرددين عبارة ''ها هي جات الصحافة'' عدة مرات في جو يشبه ذلك السائد بالملعب خلال مباريات الفريق المحلي في سابق عهده. كما استقبل الوالي حوالي عشرين شابا في جلسة حوارية وصفت بالصريحة، حضرها رئيس المجلس الشعبي الولائي ونائب في البرلمان، صدر في أعقابها بيان من خلية الإعلام والاتصال للولاية.
وللإشارة، فإن تشييع جثامين الضحايا الثلاثة المقيمين بقرية بيبان مصباح تمت أول أمس بمقبرة سيد العابد المطلة على بلدية السوفر، في حدود السادسة مساء. فقد تمت في أجواء حزينة وسط حيرة الأهالي وأصدقاء الضحايا، شأنها شأن جنازة المرحوم خالد بلخامسة المقيم بحي التفاح التي أقيمت بمقبرة الشيخ الصحراوي على مشارف بلدية فرطوفة بحضور أعداد كبيرة من رفقاء وأقارب المرحوم.
ومن جهة أخرى، رجحت مصادر قريبة من التحقيق المفتوح في وهران حول أسباب غرق الزورق الذي كان يقل الضحايا على بعد ميلين بحريين من ساحل أرزيو، فرضيتين للغرق. أولهما أن يكون الضحايا أبحروا على متن زورق غير صالح لم يتحمل وزنهم. والثانية أن يكون الزورق اصطدم بإحدى البواخر التجارية لينكسر ويغرق في عمق البحر. ويذكر أن الزورق لم يظهر له أي أثـر رغم الأبحاث المكثفة التي قامت بها فرق حراس السواحل في الموقع الذي تم فيه انتشال جثث الضحايا.
المصدر :تيارت: محمد رابح /وهران: ل. بوربيع